السامرية هذه المرأة قصة حقيقية.. سجلها البشير يوحنا بالكلمات "يسوع.. ترك اليهودية ومضى أيضاً إلى الجليل وكان لا بد له أن يجتاز السامرة. وكانت هناك بئر يعقوب.. فإذ كان يسوع قد تعب من السفر جلس هكذا على البئر.. فجاءت امرأة من السامرة لتستقي ماءً. فقال لها يسوع أعطيني لأشرب.. فقالت له المرأة السامرية كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية. لأن اليهود لا يعاملون السامريين" (يوحنا 1:4-9).
اسم المرأة موضوع حديثنا "السامرية" نسبة إلى بلدها السامرة..
كانت امرأة ضائعة.. تقضي حياتها في الملذات.. تزوجت خمس مرات.. وانتهى بها الأمر للحياة مع عشيق.. كانت تعيش في الأوحال.. لكنها كانت تشعر بعطش داخلي.. بفراغ هائل في حياتها.. وعند بئر يعقوب التي كانت في السامرة التقت بالمسيح إذ كان جالساً على البئر. وقد جلس المسيح على البئر في انتظار هذه المرأة.. كان يعلم مدى تدهورها، ومدى انحرافها، ومدى الفراغ الذي في حياتها.. وانتظرها لكي يُحْدِث في حياتها معجزة تدفعها للتوبة الحقيقية عن خطاياها، ولترك آثامها.. وما كادت هذه المرأة تصل إلي بئر يعقوب حتى ابتدرها المسيح بالكلمات "أعطيني لأشرب".. وأجابته قائلة: "كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية". أراد المسيح أن يحررها من قيود شهواتها ويقودها إلى الحياة الطاهرة. ولكن حواجز كثيرة وقفت أمامها..
فماذا كانت هذه الحواجز؟
1) الحاجز العنصري
هي سامرية والمسيح يهودي، واليهود لا يعاملون السامريين.. والحاجز العنصري يقف أمام الملايين ليمنعهم عن سماع صوت المسيح الفادي.. العنصرية تتسبّب في هلاك الملايين. العنصرية بسبب اللون، أو الدين، أو العادات.
1) الحاجز العقلي
لما رفضت "السامرية" أن تعطي المسيح ليشرب، قال لها المسيح: "لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماءً حياً"، ولم تفهم السامرية كلام المسيح فأجابته قائلة: "يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة. فمن أين لك الماء الحي؟"
"أجاب يسوع وقال لها. كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يوحنا 11:4-14).
لم تفهم السامرية كلام المسيح، أراد المسيح أن يقول لها أن من يشرب من ماء العالم الحاضر من ماء الملذات الجسدية، والمال، والشهرة، يعطش أيضاً، وأنه وحده يعطي من يأتي إليه "ماءً" يروي عطشه ويغنيه عن ملذات وشهوات العالم الوقتية الزائلة، فيرتوي ويكتفي بحبه.
1) الحاجز الاخلاقي
أرادت السامرية الحصول على الماء الذي تحدّث عنه المسيح، لا بالمعنى الذي قصده، بل بالمعنى الذي فهمته بذهنها المنحرف فقالت له: "يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي."
وهنا بدأ المسيح الذي يعلم الغيب في تمزيق القناع الذي أرادت أن تختبئ وراءه.. فقال لها "اذهبي وادعي زوجك وتعالي إلى ههنا. أجابت المرأة وقالت ليس لي زوج. قال لها يسوع حسناً قلت ليس لي زوج. لأنه كان لك خمسة أزواج والذي لك الآن ليس هو زوجك."
ولما مزَّق المسيح القناع الذي تختبئ وراءه قالت له: "يا سيد أرى أنك نبيّ."
لقد عرف المسيح علاّم الغيوب كل خفايا حياتها.. عرف أنها تزوجت خمسة أزواج، وقررت في نهاية الأمر أن تعيش مع عشيق بدون رباط الزواج.
هل يمكن قيادة مثل هذه المرأة المنحرفة ذات الماضي المتدهور، والحاضر الأثيم إلى الطريق المستقيم؟ نعم يمكن.. إذا التقت هذه المرأة بالمسيح..
خطوات في طريق التغيير
1ً- أنها سمحت للمسيح بالحديث معها
كانت أول خطوة في طريق تغيير مسار المرأة السامرية هي أنها سمحت للمسيح أن يتحدث إلى قلبها.. ولكي يتحدث المسيح إلى قلب أي إنسان يجب على ذلك الإنسان أن يقرأ كتاب العهد الجديد المسَّمى بالإنجيل.. ففي الإنجيل يسمع الإنسان حديث المسيح، ويلتقي به، ويعرف معجزاته، فإذا أردت أن يُحدث المسيح تغييراً في حياتك، فاحصل على نسخة من الإنجيل واقرأها باهتمام وتدقيق.
2ً- أنها اعترفت للمسيح بخطاياها
لما قال المسيح للسامرية "الذي لكِ الآن ليس هو زوجك" لم تنكر.. بل أقرت بذنبها.. واعترفت بمدى الدرك الأسفل الذي وصلت إليه، والتدهور الشنيع الذي غاصت في طينه وسواده.
3ً- دخل المسيح قلبها
عندما رأت المرأة أن المسيح يعلم الغيب، وأنه عرف كل ماضي حياتها.. قالت له: "أنا أعلم أن مسيا الذي يُقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء" (يوحنا 25:4).
ويعجب المرء أن يرى امرأة منحرفة في سلوكها كهذه المرأة ومع ذلك فهي تعرف كثيراً من المعلومات الدينية الصحيحة، تعرف أن يعقوب هو صاحب البئر.. وتعرف أن اليهود يقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسُجد فيه.. وتعرف أن مسيا الذي يُقال له المسيح يأتي.. وقد اعترفت أن المسيح نبي.. لكنها احتاجت إلى إعلان خاص منه لتعرف حقيقته.. وقد أعطاها المسيح هذا الإعلان..
"قال لها يسوع أنا الذي أكلّمك هو." أنا المسيح الذي سيُصلب على الصليب لغفران خطاياك.. ولما عرفت المرأة حقيقة المسيح، فتحت له قلبها.. ودخل المسيح قلبها.. وما زال المسيح ينادي كل إنسان تدهورت حياته.. وكل إنسان يشعر بالفراغ في داخله قائلاً: "هنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي" (رؤيا 20:3).
التغيير الذي حدث في حياة السامريةبعد أن يدخل المسيح المخلِّص قلب الإنسان.. يتغيَّر ذلك الإنسان.. يصبح إنساناً جديداً.. تتغيَّر أخلاقه.. تتغيَّر تصرفاته.. يتوقَّف تماماً عن آثامه وخطاياه. وهذا ما حدث في حياة السامرية بعد أن التقت بالمسيح:
çسألته عن مكان العبادة الحقيقية: أين تعبد الله؟
وأجابها: "أنتم تسجدون لما لستم تعلمون. أما نحن فنسجد لما نعلم.. ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق. لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له."
أراها المسيح أن علاقتها بالله بعد أن دخل هو قلبها، هي علاقة آب بأبنائه وبناته.. هي علاقة حب.. فالديانة الحقيقية لا تقوم على خوف العبيد، بل على حب الله لنا وحبنا له.
çذهبت لتنادي بالمسيح لأهل مدينتها
بعد أن دخل المسيح قلب "السامرية"، "تركت المرأة جرتها ومضت إلى المدينة وقالت للناس. هلموا انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت. ألَعَلَّ هذا هو المسيح. فخرجوا من المدينة وأتوا إليه" (يوحنا 28:4و29).
çلقد رأى أهل مدينتها مدى التغيير العظيم الذي حدث في حياتها
لقد صارت خليقة جديدة كما قال بولس الرسول: "إذاً إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضـت. هوذا الكل قد صار جديداً" (2كورنثوس 17:5).
ولما التقى أهل مدينتها بالمسيح، وسمعوه، وفتحوا قلوبهم له، "قالوا للمرأة إننا لسنا بعد بسبب كلامـك نؤمن. لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم" (يوحنا 42:4).
فإذا أردت أن تحصل على السلام، والارتواءالقلبي، والخلاص الأبدي.. عليك أن تلتقي بالمسيح، وتدعه يدخل قلبك.. إن المسيح لا يفرض نفسه بالقوة على أحد، ولكنه يدقّ باب قلب كل إنسان منتظراً من ذلك الإنسان أن يفتح له قلبه ليمنحه خلاصه وغفرانه وسلامه العظيم. امين
الثلاثاء مايو 27, 2008 1:13 pm
