وصل ضابط في الجيش اللبناني الى غرفة الأخبار في تلفزيون المستقبل في الساعة الثامنة صباحاً وقال لي إن مسلحين في الخارج يطلبون وقف البث والا سيباشرون باقتحام مبنى التلفزيون، وحين لاحظ الضابط عليّ بعض الارتباك قال: لو كنت مكانك لما ترددت في الاستجابة».
على هذا النحو شرح مدير الأخبار في تلفزيون «المستقبل» حسين الوجه كيفية إقفال تلفزيون «المستقبل» للصحافيين الذين تقاطروا بالمئات يوم أمس الى منطقة التباريس في وسط بيروت للتضامن مع التلفزيون الذي أقفله «حزب الله»، وانطلقوا من هناك الى المبنى المستهدف ودخلوا الى المكاتب، وصفقوا لإعلاميي تلفزيون «المستقبل» والعاملين فيه.
الصحافيون اللبنانيون ارتسمت على وجوههم مخاوف فعلية، فما جرى سابقة لم يشهدها لبنان في ذروة الحروب التي كابدها، إذ سبق ان استهدفت وسائل إعلام ولكن بقي الفاعل غفلاً، أو هو أنكر فعلته على الأقل. اليوم الفاعل يعلن عن نفسه من دون أي تردد. الفاعل هو «معارضة» من المفترض ان تكابد من ممارسات من هذا النوع. جميع الصحافيين الذين شاركوا في مسيرة الأمس حملوا تساؤلات ومخاوف بعد سابقة إقفال تلفزيون «المستقبل» وجريدة «المستقبل» وإذاعة «الشرق»: هل نحن أمام مرحلة جديدة ومختلفة لجهة الحريات الإعلامية؟
في تظاهرة الأمس شارك أيضاً صحافيون معارضون، اذا كان في إمكاننا ابقاء تسمية المعارضة «معارضة» بعد أن «سقطت» بيروت في يدها، كما شارك عاملون في صحف المعارضة، وأجمعوا على أن السابقة تستهدف الجميع وان لا خيمة فوق رأس أحد. واللافت ان «المعارضة» لم تلتقط الفرصة لتعلن اعتذارها. كان الصمت مشابهاً لتلك الجملة التي قالها ضابط الجيش اللبناني لمدير أخبار المستقبل «لو كنت مكانك لما ترددت في إقفال التلفزيون».
تساؤلات كثيرة أثارها الصحافيون خلال مسيرتهم وكلها تدور حول المرحلة المقبلة، وحول حياد الجيش اللبناني حيال استهدافهم وعدم رسمه خطوطاً حمراً على الأقل بما يخص المؤسسات الأعلامية.
كان ثمة إجماع على ان القبول بالسابقة تسليم للرأس، واننا لا نتضامن مع «المستقبل» فحسب بل مع أنفسنا أيضاً. وحضر أيضاً تهديد الدور التقليدي للصحافة اللبنانية في الحياة السياسية، فرثى كثيرون لحال ذلك الإرث وأشار كثيرون الى تقدم دول عربية على لبنان في مجال الحريات، وفي هذا الوقت بدأ تصفيق المشاركين يطغى على الأحاديث، فجاء متقطعاً ومترافقاً مع رفع صور الصحافيين الشهداء من أمثال سمير قصير وجبران تويني.
اللحظة التي وصلت فيها المسيرة الى مبنى التلفزيون لم تخل من الاحتدام العاطفي، فعند وصول المسيرة الى المبنى باشر العاملون في تلفزيون «المستقبل» بالدخول الى مكاتبهم. بكى كثيرون، وآخرون تجمعوا في غرفة الأخبار وأعلنوا انهم لن يخرجوا منها حتى بعد انتهاء الاعتصام. أما العاملون في الجريدة المستهدفة (المستقبل) فبدأوا يستشرفون إمكان تكرار التظاهرة في الغد (اليوم) ولكن الى مكاتبهم المحروقة في منطقة الرملة البيضاء.
التضامن مع «المستقبل» كان كاملاً بالأمس، و «المعارضة» التي بقيت صامتة حيال فعلتها لم تستدرك خلال التظاهرة، ولا بعدها بساعات. ولبنان ينتظر ما سيحل به.